1- مـقدمــــة الحمد لله رب العالمين ، القائل : ( نزل به الرّوحُ الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين ). وأصلي وأسلم على أشرف الخلق ، وأفصح العرب ، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وبعـــــد
فهذا بحث عن مكانة اللغة العربيــة ، ومحاولات أعداء اللغة العربية والإسلام لهدمها وتدميرها ، حتى استجبنا لكثير من نعيق وزعيق أعدائها وصار هناك تذمر وشكوى من صعوبة اللغة العربية وعدم الاهنمام بها والإقبال عليها إلا من أجل الامتحان فقط.
فرأيت بتوثيق هذا البحث أن يدرك طلاب العلم ما لهذه اللغة من مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة ، فهي وإن كانت لسان العرب إلا أنها لغة الدين ولغة المسلمين في كل مكان ، بها يقرأون كتابهم ، ويتقربون إلى ربهم بالدعاء والعبادة .
ثم بينتُ علاقة هذه اللغة بعلوم الإسلام المختلفة من تفسير وحديث وفقه وأصول ، ثم انتقلتُ إلى مسألة في غاية الأهمية ؛ وهي الإشارة إلى ما يضمره أعداء الإسلام من المبشرين والمستشرقين والمستغربين من كيد وشر لهذه اللغة لغة القرآن والنيل منها .
ثم أهبتُ بأبناء هذه الأمة بأن يهبوا لخدمة هذه اللغة ؛ ويعلموا أن تعلمها وخدمتها والدفاع عنها ضرب من ضروب العبادة ، إذا ما ابتغى بكل ذلك وجه الله والدار الآخرة.
أسأل الله – عز وجل – أن يوفق أبناء الأمة للحفاظ على لغتهم من كيد الكائدين ، وخطط المتآمرين ، وأن يرد عنها سهام الأعداء ، وحراب المتربصين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
2- مكانة اللغــة :
للغة العربية مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة في نفوس أبنائها المحبين لها ، والغيورين عليها ، والعارفين قدرها ومكانتها ، وذلك لكونها لغة القرآن الكريم، بها تنزل على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم،( نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين ). [AM1] وقد أرسل الله – عز وجل – رسولهصلى الله عليه وسلمللناس كافة بشيراً ونذيراً ، ولم يُرسَلْ إلى العرب خاصة ، كما يصور ذلك بعض الجهلة أو الحاقدين ، إنما أرسل لجميع البشر ؛ عربهم وعجمهم، وهو عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء ؛ فجاءت رسالته كاملة شاملة.
3- الفصحى لغة القرآن:
وقد اختار الله - عز وجل – اللغة العربية لتكون آخر كتبه ، لغة القرآن الكريم ( إنا جعلناه قرآنا عربيا لّعلّكم تعقلون)[AM2] وهذا الاختيار من الله - عز وجل – لهذه اللغة إنما تعود إلى ما تمتاز به من مرونة واتساع ، وقدرة على الاشتقاق ، والنحت والتصريف ، وغنى في المفردات والصيغ والأوزان.
يقول عباس محمود العقاد : " فإذا قيس اللسان العربي بمقاييس علم الألسنة فليس في اللغات لغة أوفى منه بشروط اللغة في ألفاظها ، وقواعدها ، ويحق لنا أن نعتبر أنها أوفى اللغات جميعها بمقياس بسيط واضح لا خلاف عليه وهو مقياس جهاز النطق في الإنسان ، فإن اللغة العربية تستخدم هذا الجهاز الإنساني على أتمه وأحسنه ولا تهمل وظيفة واحدة من وظائفه كما يحدث ذلك في أكثر الأبجديات اللغوية ، فلا التباس في حرف من حروفها بين مخرجين ، ولا في مخرج من مخارجها بين حرفين.., وقد تشاركها اللغات في بعض هذه المزايا ، ولكنها لا تجمعها كما جمعتها ، ولا تفوقها في واحدة منها .." (1)[AM3] ويقول ابن فارس :" قال بعض الفقهاء : كلام العرب لا يحيط به إلا نبي ، وهذا كلام حري أن يكون صحيحاً ، وما بلغنا أن أحداً ممن مضى ادعى حفظ اللغة كلها ..." (2)[AM4] وقال: " وقال بعض علمائنا حين ذكر ما للعرب من الاستعارة والتمثيل والقلب والتقديم والأخير وغيرها من سنن العرب في القرآن . فقال : ولذلك لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شيء من الألسنة كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب الله – عز وجل – بالعربية ، لأن العجم لم تتسع في المجاز اتساع العرب..."(3)[AM5] " ومما لايمكن نقله البتة أوصاف السيف والأسد والرمح ، وغير ذلك من الأسماء المترادفة ن ومن المعلوم أن العجم لا تعرف للأسد اسما غير واحد أما نحن فنخرج له خمسين ومئة اسم ، وحدثني أحمد بن بندار ، قال : سمعت أبا عبد الله بن خالويه الهمذاني يقول جمعت للأسد خمسمئة اسم وللحية مئتين..."( 4)[AM6]
هذه الخصائص الفريدة والمزايا الكثيرة هي التي رشحت هذه اللغة لتكون لغة القرآن الكريم ، فشرفت بهذا الاختيار ، وازدادت سمواً ورفعة.
4- فضل القرآن على العربية :
للقرآن الكريم الفضل بعد الله _ سبحانه وتعالى _ في المحافظة على اللغة العربية ن إذ بقيت مع مرور الزمن شابة فتيةً ، فقد حفظها القرآن من الضياع كما حفظها منه الضياع.
يقول فيليب دي طرازي : " أصبح المسلمون بقوة القرآن أمة متوحدة في لغتها ودينها وشريعتها وسياستها ، فقد جمع شتات العرب ، ومن المقرر أنه لولا القرآن لما انتشرت اللغة الفصحى في الخافقين ، ولولا القرآن لما أقبل الألوف من البشر على قراءة تلك اللغة وعلى كتابتها ودرسها والتعامل بها ـ، ولولا القرآن لظل أهل كل بلد من البلدان التي انضمت للإسلام ينطقون بلهجة يستعجمها أهل البلد الآخر ، وقد حفظ القرآن التفاهم بالعربية بين الشعوب الإسلامية وبين العرب.." (5) [AM1] ويقول سيديو: " إن اللغة العربية حافظت على وجودها وصفائها بفضل القرآن .."(6)[AM2]
وقد أثبتت جميع الدراسات اللغوية أن سبب نشأة اللغة العربية ونموها واتساعها وشمولها هو القرآن الكريم قبل غيره..
5- موقف السلف من اللغة العربية :
لقد عُني السلف الصالح من خلفاء وأمراء وعلماء بلغة القرآن واهتموا بهخا اهتماماً كبيرا وأولوها عناية خاصة لما لها من مكانة عظيمة في نفوسهم ؛ فأقبلوا على خدمتها وتسابقوا في الدفاع عنها ، حتى الأعاجم أقبلوا بشغف شديد ورغبة قوية على تعلم هذه اللغة وخدمتها ،فأتقنوها وقاموا بالتأليف في علومها المختلفة ، يدفعهم لذلك محبتهم لهذه اللغة التي هي لغة دينهم وكتاب ربهم ، فأيقنوا أن دراستها وتدريسها والتأليف بها وخدمتها بأي شكل من الأشكال ضرب من ضروب العبادة يقربون به إلى الله – عز وجل - .
وقد نُقلتْ لنا أخبار كثيرة عن سلف هذه الأمة الأخيار توضح لنا نظرتهم العميقة غلى هذه اللغة ، وأنهم ينزلونها من نفوسهم منزلة رفيعة تتناسب ومكانتها العالية.
* فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " تفثقهوا في العربية فإنهال تزيد في العقل ، وتثبت المروءة.."(7)[AM3].ويقول : "تفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي .." (
[AM4].
* وقال الحسين بن علي رضي الله عنه :" تعلموا العربية فإنها لسان الله الذي يخاطب به الناس يوم القيامة .."(9)[AM5].
* وروي عن ابن شبرمة أنه قال: " إذا سرك أن تعظم في عين من كنت في عينه صغيراً ويصغر من كان في عينك عظيماً فتعلم العربية فأنها تجريك على المنطق وتدنيك من السلطان .." (9)[AM6].ويقــول ابن سيرين :" ما رأيت على رجل أحسن من فصاحة ولا على امرأة أحسن من شحم" (10)[AM7]. وقال ثعلب: "سمعت محمد بن سلام يقول : ما أحدث الناس من مروءة أفضل من طلب النحو.." (11)[AM8] ... وهذا التابعي الجليل قتادة يقول : " لا أسأل عن عقل رجل لم يدله عقله على أن يتعلم من العربية ما يصلح به لسانه ...."(12)[AM9]... وقال أبي بن كعب رضي الله عنه : " تعلموا العربية كما تتعلمون حفظ القرآن .."(13)[AM10].. وقال المأمون لأحد أولاده : " ما على أحدكم أن يتعلم العربية فيقيم بها أوده ويزين بها مشهده ويفل بها حجج خصمه بمسكتات حُكمه ويملك مجلس سلطانه بظاهر بيانه أو يســر أحدكم أن يكون لسانه كلسان عبده وأمته.." (14)[AM11].. وقد كره الشافعي لمن يعرف اللغة العربية أن يسمي بغيرها وأن يتكلم بها خالطاً لها بالعجمية.."( 15)[AM12] ...ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه : "وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله وأهل الدار وللرجل مع صاحبه ....فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم.."(16) [AM13] ..ويقول أيضا :" واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين ثأثيراً قوياً بيناً ، ويؤثر في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق..وأيضـــاً فإن اللغة العربية نفسها من الدين ومعرفتها فرض واجب ، فإن فَهْمَ الكتابِ والسنة فرض ، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، وملا لايتم الواجب إلا به فهو واجب...."(17) [AM14].